المبحث الرابع
الحياة الاقتصادية في مدينة لملوم
يقول صاحب صديقة الزوراء في سيرة الوزراء عن الحسكة بانها احسن ضياع العراق وانفع القرى على الاتفاق وذلك سنة 1705 م وبعد هذا التاريخ اخذ نهر الفرات ( نهر ذياب ) يتقدم الى الجنوب كثيرا حتى سنة 1135هـ شرع يدخل اهوار (لملوم ) المنخفضة كثيرا ثم انساب اليها متدفقا وبذلك نزلت المياه وانخفضت عن مستوى الاراضي التي تحيط بالحسكة ( الديوانية ) فباء الكثير منها بذلك التاريخ 1135هـ فدب الخراب بالحسكة لانتقال الكثير من اهاليها الى ( لملوم ) واستولى عليها الحزب سنة 1939م وعى ذلك ماقاله الرحالة (مصطفى الصديقي الدمشقي ) في رحلته (1)
وكان السبب في نزوحهم الى لملوم هو ثروتها الزراعية وكثرة خيراتها في ذلك العصر حتى صار الجانب الايسر الشرقي من الحسكة مهجورا او شبيها بالمهجور وذلك حوالي سنة 1160هـ وتغلب الجانب الغربي (2)
بعد هذا العرض البسيط ومن عبارة ثروتها الزراعية وكثرة خيراتها الواردة ذكرها فبي هذه المقدمة سنبين الحياة الاقتصادية للمدينة على الشكل التالي
أ- الزراعة
وقد جاء في وصف لملوم انها منطقة اهوار فرات الواقعة جنوب الديوانية والتي كان يزرع فيها الرز انذاك .
وقد جاء وصف الفرات في مجراه البابلي فبحث عن منطقة لملوم وهي منطقة الاهوار التي كانت في ذلك الزمن منطقة زراعية على الفرات التي يصفها السائح بانها تنتج الكثير من الرز وفي كتاب رحلة من ايران الى انكلترا تاليف الدكتور ادورد ايفز وصف رائع لرحلة قام بها المؤلف بين البصرة وبغداد عن طريق نهر الفرات الذي يصف ريفا بهيجا بمرجه ما اهول من العرب تنعم فيه قطعانهم ويروون من النهر بكفاية ويمتد هذا المشهد الاخضر امتداد البصر وهناك قطع اراضي مرتفعة تزرع بعض نقاط فيها فجلا كما مر السائح وسط مزارع قطن في منطقة تربتها خصبة جدا ومرتفة كثيرا عن مستوى النهر .
----------------------------
(1) الدمشقي مصطفى البكري الصديقي ,كمشط الرواء وغسل الدان في زيارة العراق وماوالاها من البلدان ,مخطوطة ورقة 98
(2) وداي العطية , تاريخ الديوانية قديما وحديثا , الطبعة الحيدرية , النجف الاشرف 1954م ,ص28-29
وريفا ذي مروج فيه مخيمات العرب وعائلاتهم وقطعانهم وهذه الرحلة تمت خلال شهر رمضان سنة 1758م حيث جاء بوصف الرسالة المذكورة اعلاه ينطبق تماما مع ماورد بكتاب الحاج وادي العطية عن لملوم الذي يتضمن كثرة خيراتها وثرواتها الزراعية وللتدليل على كثرة خيرات لملوم وزراعتها الكثيفة ان الوالي سليمان باشا سنة 1210هـ / 1795م ارسل عساكر وسيرهم الى قتال عرب الخزاعل فسار اليهم وحاصروهم اياما فصالحوه على 7000 راس غنما و700 جاموسة و700 ادغال بغداد شلب فتسلم جميعها .(1)
وفي سنة 1212هـ اعلن الشيخ حمد ال حمود العصيان على الحكومة فتصالح الخزاعل معه على ان يودي كل من محسن ال غانم وسبتي ال محسن الفي ادغال شلب وفي نفس السنة تم الصلح بين الخزاعل ووكيل الوالي على دفع خمسمائة ادغال شلب ومائة الف قرش وفي سنة 1800م دارت معركة بالقرب من لملوم بين الجيش العثماني من جهة والخزاعل والقبائل المنضوية تحت لوائهم من جهة اخرى فاغتنم الجيش نحو 1000 ادغال من الشلب من مخزن واحد واموال اخرى لاتكاد تحصــــى (2)
اضافة الى ان المنطقة تزرع محصول القطن وبعض المحاصيل الخضر الصيفية والشتوية حتى ان رسالة فريرز في رحلتة الى العراق سنة 1134هـ الذي بين فيها بان المنطقة بين الحلة والسماوة تستولي على منطقة الاهوار المتكونة من فياضان الفرات ومن ضمنها ما تسمى باهوار لملوم عشيرة الخزاعل الكبيرة التي تستمد قوتها من طبيعة البلاد التي تقطنها وهولاء اناس يمتهنون الزراعة والرعي ويعيشون لدرجة كبيرة على ماتنتجة قطعان الجاموس التي تربى على ادغال الاهوار الكثيفة فضلا عن كونهم متوحشين وقطاع طرق غادرين .(3)
(ب) الصناعة
من خلال رحلة سسيتني العالم الايطالي التي جرت سنة 1782م يتبين ان المنطقة التي تغطيها لملوم كانت تهتم بصناعة البواري والحصران والمصنوعات النسيجية المحلية ومنها صناعة (الزويني ) وصناعة اليمني وهو من اشهر ملابس القدم الرجالية والقباقيب الخشبية والازر الصوفية والسجاد الصوفي التي اشتهرت به نساء عشائر محافظة الديوانية في ذلك الزمن .(4)
--------------------------------
(1) احمد سوسة , مصادر عن راي العراق طبع على مديرية الري العامة , ص100
(2) المصدر السابق ص56 - 111
(3) جيمس بيلي فريزر ,رحلة فريزر الى بغداد ترجمة جعفر الخياط , مطبعة المعارف ,بغداد 1964 م ,ص203
(4) وليد محمود الجادر , الازياء الشعبية في العراق , دار الرشيد للنشر بغداد 1979 م , ص 19-27- 163
جـ التجارة
1- يظهر مما كتبه الرحالة الدكتور ايفر ان الديوانية كانت عاصمة منطقة الحسكة التي يقيم فيها حاكمها علي انها كانت سلطته تشمل جميع البلاد الممتدة من القرنة الى الحلة وهذا يعني ان الحسكة الديوانية كانت سلطتها تمتد لتشمل رقعة وواسعة من العراق الجنوبي وتشمل خمس محافظات هي الديوانية / بابل/ السماوة / واراضي الناصرية الواقعة على شط الفرات من جهتيه وينظر الى هذا الجانب بعين الاهمية والاعتبار كون الديوانية كانت عاصمة لتلك المدن وما يتبع ذلك من امور كثيرة تدلل على عظمة المدينة وامتداد سلطانها على المدن الواقعة على سقي نهر الفرات الجنوبي واجزاء من البصرة وما ينتج من مردود اقتصادي على المدينة باعتبارها مقر الحاكم العثماني وعاصمة للمنطقة المذكورة وطول الفترة الزمنية نسبيا التي استقرت عليها المدينة بهذه الوضعية
2- ويبدوا مما كتبه السائح ان حاكم المدينة كان يدفع ثلاثة الاف كل سنة الى خزانة والي بغداد وهو بدل الالتزام المقرر للمنطقة وفي ذلك كلام لايسعنا الوقت بالتعليق عليه ولكننا لاننسى ان هذا المال لولا غنى هذه المنطقة وازدهارها ما كان من الممكن الالتزام به وتحصيلة وهو السبب في الحضوة التي مكان يتمتع بها حاكم المدينة عند والي بغداد الذي كان يعني كثيرا بحاكم المدينة علي اغا ويمليء كيسه بالمال (1)
3- ويقول الدكتور ايفز ان خصومة المقيم البريطاني مع الحاكم في مكانه الجديد في الحسكة قد زادت على ما يظهر وعاد الصفاء بينهما الى سابق عهده بحيث تجدد الامل في انتفاع شركة الهند الشرقية لتمثل المقيم من الاغا في مكانه الجديد وهذه النقطة لم تسعفنا مصادرنا مع الاسف الشديد لاماطة اللثام عن كيفية انتفاع شركة الهند الشرقية بالتجارة او النقل النهري او بغيرها ولكن ما يبدو انها للاتين معا والثالث للتجسس على البلاد لكل ما تعنيه هذه الكلمة لان شركة الهند الشرقية البريطانية كانت قد اختصت بهذا الجانب .
4- من مفادي الرحلة فان هناك تاجر ارمني بصري يدعى الخواجة باكوس والمقيم في الديوانية كان قد خف يوم ذاك وزار الرحالة الدكتور ايفز وجماعته ورحب بهم وقدم له خدماته لان المقيم البريطاني في البصرة كتب اليه يوصيه بهم ورافقهم الى حاكم المدينة علي اغا مساء ً ويظهر ان التبادل التجاري بين البصرة ومدن لملوم والديوانية والحسكة كان على اشده في هذه الفترة بدليل ان هذا التاجر الارمني البصري الخواجة باكوس كان مقيم بالديوانية بوقت وصول الرحالة اليها وقد اشار الدكتور ادوارد ايفز في ثنايا رحلته بين السماوة ولملوم ----------------------------
1- المصدر نفسه
2- المصدر نفسه
وبنفس الرحلة بين الرحالة انهم لأقوا عدة قوارب محملة بالخيار الذي يقومون بنقله الى المدن وهناك اشارة في رحلة الدكتور ادروارد ايفيز التي جرت عام 1758 انهم ابتاعوا من لملوم رزا وسمنا وعجل (ذكر) استطاع شراءه خادمهم بصعوبة بالغة لانهم لا يفرطون بالانثى على أي حال ومن ذلك يظهر ان تجارة المواشي في المنطقة رائجة خصوصا الى المدن المجاورة لها ناهيك عن بيع منتجات الماشية وهي الابقار والجاموس والغنم من الاصواف والحليب ومشتقاته الى الناطق المجاورة ايضا وحيث ان منطقة لملوم عبارة عن اهوار وتكثر في هذه الاهوار الاسماك والطيور الحرة كالخضيري مثلا فانها كانت تصدر بقواربها الرز والتمور والاسماك (1)
لقد اصدر علي اغا وامره الى البلاد الواقعة ما بين الحلة ومقاطعة البصرة على اثر سرقة وجرح التاجر الارمني الذي كان مقيما عند حاكم الحسكة علي اغا مع ان الحاكم لم يستطع ان يسترجع صندوق اللؤلؤ الذي سرق من التاجر الارمني والذي يبلغ ثمنه الف 1000 روبية . فقد امر الشيخ عموم المشايخ الواقعة تحت سلطته ان يقوم بتحري وتفتيش عن ممتلكات الارمني ويدعى هذا الشيخ محمد الهميت الذي اجتاز قريتة الدكتور ايفز يوم 6/5/1758 وما هو جدير بالذكر ان هذا الشيخ يدفع ايجار عن هذه البلاد مقداره 500 كيس من الفضة يحتوي كل منها على 500 روبية او 25 تومان لحكومة بغداد اذ انه المؤول الى حد كبير عن تصرفات عشائره في الوقت الذي تعرض فيه التاجر الارمني الى السلب كان يجتاز النهر بدون ضمانات دفاعية او يقال ان اهتمام اسار انتباه السراق اليه وسبب الكشف عنه وان جروحه تعود الى المقاومة التي ابداها في عدم التخلي عن شيء ثمين كهذا ويتضح من ملاحظات الدكتور ايفز ان الحسكة وعاصمتها الديوانية ومدينة لملوم كانت موكل التجار البصريين والبغداديين وان وضعها الاقتصادي كان متين وان زوار هذه المدن كانوا من كبار هذه التجار واحيانا يقومون فيها ويلاحظ من رحلة الرحالة سستيني ان هناك منطقة تابعة الى لملوم وقريبة منها تسمى (اسبيجة ) وهي قرية كبيرة تقوم بالتجارة على الضفة اليسرى من النهر (2)
---------------------------
1- جيمس ديوتد ولستيد , رحلتي الى بغداد في عهد الوالي داوود باشا , ترجمة سليم طه التكريتي , طبع مطبعة ثويني , بغداد , ص14
2- المصدر نفسه